حزب الله ولبنان- رهن المذهبية، ثمن باهظ، ولا ولاء للوطن.

المؤلف: أحمد الجميعة11.21.2025
حزب الله ولبنان- رهن المذهبية، ثمن باهظ، ولا ولاء للوطن.

إنّ كل من ارتهن لفكر طائفي أو انحاز إلى جماعة حزبية ضيقة، لن يجد وطناً يحتضنه بأمان واستقرار وازدهار. إنها حقيقة دامغة يسطرها التاريخ في كل منعطف، إلا أن بعض الشعوب العربية لا تزال غافلة عنها، تتجاهل حملات التضليل المنمقة بالشعارات الخادعة والأفكار الموجهة، وتستكين لتخديرها بأفيون المواجهة والصمود الزائف، لتدفع اليوم ثمناً باهظاً من تشريد ونزوح ولجوء، أو أسوأ من ذلك، بتبعية وولاء لغير أوطانها وقياداتها الشرعية، وهو قمة الانحدار الإنساني المتمثل في العيش بلا كرامة أو هوية وطنية راسخة.

ما يحدث في لبنان منذ ثمانينات القرن المنصرم وحتى يومنا هذا، هو بكل اختصار، غلبة لجماعة على الدولة، وهيمنة لحزب على الوطن، وليس انتصاراً للبنان الدولة بمؤسساته الدستورية، ليظل هذا البلد العربي الفاتن بجمال أرضه وعظمة شعبه، أسيراً لعقود طويلة في قبضة حزب متفرد بالسلاح، تم تدجينه من قبل إيران ليكون ذراعها الطولى تحت ستار المقاومة المضللة، وشعار الموت لإسرائيل، وضمن أجواء التعصب المذهبي البغيض الذي مزق اللبنانيين من الداخل وشتت وحدتهم.

إن حرب لبنان الثالثة قد اندلعت بالفعل، والسبب فيها ليس ضعف الحكومة أو تقصيرها، بل الأحزاب والميليشيات التي اغتصبت حق الدولة والشعب في العيش الكريم بأمان وازدهار. وهذا لغز من ألغاز لبنان المحيرة، حيث تكون فيه الحكومة أضعف من الأحزاب المتنفذة، وعلى رأسها حزب الله الذي يفرض نفوذه وتدخلاته السافرة، حتى وصل به الأمر إلى شل عمل الحكومة نفسها وتعطيل قراراتها السيادية. وهذا مؤشر بالغ الخطورة على بقاء دولة ترزح تحت وصاية حزب مسلح، وتواجه إسرائيل خدمة لأجندات إيرانية بحتة، لا لمصالح لبنانية أو حتى عربية مشتركة. والنتيجة المحتومة هي مزيد من القتلى والجرحى، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وانهيار الاقتصاد الوطني، والتخلف عن ركب التنمية والتقدم.

إن الثمن الذي سيتكبده لبنان هذه المرة سيكون باهظاً للغاية، لأن استراتيجية إسرائيل الحالية لا تقتصر على الجنوب اللبناني فحسب، ولا على فك الارتباط بين محور حزب الله وغزة العزة، ولا حتى على تقويض حركة الحزب وإضعاف قوته، بل تهدف إلى تدمير حزب الله تدميراً كاملاً وشاملاً. والمؤشرات الأولية لهذا التدمير بدت واضحة في الفارق الزمني الشاسع بين أحداث بسيطة مثل "معركة البيجر" و"أجهزة اللاسلكي" و"اغتيال القيادات"، وبين التحول السريع والمفاجئ في القصف الجوي المركز على أهداف عسكرية دقيقة تابعة لمواقع حزب الله، فضلاً عن التوقعات المتزايدة باجتياح بري وشيك. وفي خضم هذه التطورات المتسارعة، ستتخلى إيران عن حليفها "حزب الله" ولو مؤقتاً، وستسارع إلى التفاوض على مصالحها الخاصة في هذه المرحلة الحساسة. وأي خيارات أخرى تحاول فيها إيران المناورة أو المساومة، ستجد نفسها وجهاً لوجه على خط المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وتصريحات الرئيس الإيراني لقناة سي إن إن يوم أمس كافية لقراءة ما بين السطور وفهم الرسائل الضمنية.

نعود لنؤكد المؤكد ونكرر البديهي؛ لن تقوم للدولة اللبنانية قائمة ما لم يتخلَّ حزب الله عن عقيدته المذهبية المتطرفة قبل أن يتخلى عن سلاحه، وينخرط كأي حزب آخر في العمل السياسي السلمي، وتبقى الدولة بمؤسساتها الدستورية هي الأساس والمرتكز. وحينها فقط، سيكون التضامن العربي والإسلامي مع الدولة اللبنانية وشعبها، وليس مع الأحزاب المتناحرة. وحينها أيضاً، سيصحو بعض أفراد الشعب اللبناني، ومعهم الكثير من شعوب المنطقة المحيطة، ليدركوا أن الانتماء الحقيقي هو للوطن، والولاء المطلق لقيادته الشرعية، وليس لحزب الله الذي يتاجر بالشعارات البراقة منذ أربعة عقود مضت، ولم تحرر مقاومته المزعومة شبراً واحداً من أرض فلسطين الحبيبة!.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة